العملات الافتراضية في الجزائر: بين التجريم القانوني والهواجس الاقتصادية

العملات الافتراضية في الجزائر: بين التجريم القانوني والهواجس الاقتصادية

العملات الافتراضية في الجزائر: بين التجريم القانوني والهواجس الاقتصادية
العملات الافتراضية في الجزائر: بين التجريم القانوني والهواجس الاقتصادية

شهد العالم خلال العقد الأخير انتشارًا واسعًا لما يُعرف بـ العملات الافتراضية (Cryptocurrencies) مثل البيتكوين (Bitcoin) والإيثريوم (Ethereum) والعملة المستقرة المعروفة بـ USDT (Tether). هذه العملات الرقمية أصبحت وسيلة دفع وتداول معتمدة في العديد من الدول، بل وأصبحت جزءًا من الاقتصاد الرقمي العالمي.

غير أن هذا التطور لم يَسلم من الجدل، خصوصًا في الدول النامية ومنها الجزائر، حيث تبنّت السلطات موقفًا صارمًا تجاه التعامل بالعملات الافتراضية، إلى درجة تجريمها قانونيًا. فما السبب وراء هذا الموقف؟ وهل يرتبط الأمر فقط بالمخاوف الاقتصادية، أم أنّ هناك اعتبارات أمنية وتنظيمية أعمق؟


ما هي العملات الافتراضية؟

العملة الافتراضية هي أموال رقمية لا وجود مادي لها، يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت، وتستند في عملها إلى تقنية تُسمّى البلوك تشين (Blockchain)، التي تُتيح تسجيل كل العمليات بشكل مشفّر وشفاف.

  • يمكن لأي شخص حول العالم شراء هذه العملات أو بيعها أو تحويلها دون الحاجة إلى بنك أو مؤسسة وسيطة.
  • من أشهرها: البيتكوين، الإيثريوم، USDT، ولايتكوين.

هذا التحرر من سلطة البنوك المركزية والحكومات جعل العملات الافتراضية محل جدل عالمي، بين مؤيد يرى فيها مستقبل المال، ومعارض يعتبرها خطرًا على الاستقرار المالي.

الموقف الجزائري من العملات الافتراضية

أصدرت الجزائر قوانين واضحة تُجرّم التعامل بالعملات الافتراضية، حيث ينص قانون المالية لسنة 2018 على أن:

"استخدام العملات الافتراضية يُمنع منعًا باتًا في الجزائر، ويُعتبر كل من يقوم بشرائها أو بيعها أو حيازتها مخالفًا للقانون."

الهدف المعلن من هذا التجريم هو:

  • محاربة تبييض الأموال.
  • منع تمويل الأنشطة غير المشروعة.
  • ضمان تتبع مصادر الأموال ضمن النظام المالي الوطني.

خلفية القرار: القائمة الرمادية (GAFI)

لفهم السياق، يجب التطرق إلى تصنيف مجموعة العمل المالي (GAFI)، وهي منظمة دولية تراقب الدول في مدى التزامها بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

  • الجزائر صُنفت ضمن ما يُعرف بـ القائمة الرمادية، أي الدول التي لديها ثغرات في أنظمتها المالية تجعلها عرضة للشبهات.
للخروج من هذه القائمة، كان لا بد من تبني إجراءات صارمة مثل:
  • إلزام البنوك والمؤسسات المالية بآليات تتبع مصدر الأموال.
  • فرض تعبئة استمارة اعرف عميلك (KYC) عند فتح حساب.
  • مراقبة التحويلات المالية المشبوهة.
  • تجريم التعامل بالعملات الافتراضية باعتبارها غير قابلة للتتبع بشكل كامل.

لماذا تُعتبر العملات الافتراضية خطرًا على الجزائر؟

  1. غياب الشفافية: يصعب تتبع مصدر الأموال عند استخدام الكريبتو.
  2. سهولة الاستغلال: تُستعمل في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، وتمويل أنشطة غير قانونية.
  3. تهديد النظام المصرفي: انتشارها قد يُضعف الثقة في الدينار الجزائري ويُعقّد السياسات النقدية.
  4. ضعف الثقافة المالية الرقمية: مما يزيد من احتمالية تعرض المواطنين لعمليات النصب والاحتيال.

هل التعامل المباشر (يدًا بيد) حل مؤقت؟

يلجأ بعض الشباب في الجزائر إلى التعامل بالعملات الافتراضية عبر التبادل المباشر (P2P)، أي بيع وشراء العملات دون المرور عبر البنوك أو البريد.

  • يعتقدون أن هذا يُجنّبهم الملاحقة القانونية.
  • لكن الحقيقة أن هذا الأسلوب يُعرّضهم لمخاطر أكبر، مثل النصب أو التورط في قضايا غسيل أموال دون قصد.

بين القانون والواقع

من الناحية الواقعية، لا يمكن إنكار أن الكثير من الجزائريين أصبحوا يستعملون الكريبتو لشراء خدمات عبر الإنترنت أو تحويل الأموال. غير أن القانون يظل صارمًا في هذا الباب، مما يضع المواطن العادي في مأزق:

  • هل يخاطر ويستعمل هذه العملات؟
  • أم يلتزم بالقانون وينتظر تغييرات مستقبلية؟

يبدو أن موقف الجزائر من العملات الافتراضية مرتبط أكثر باعتبارات تنظيمية وأمنية وليس مجرد رفض للتكنولوجيا الجديدة. الهدف هو تحسين صورة النظام المالي الجزائري أمام المنظمات الدولية والخروج من القائمة الرمادية.


الأسئلة الشائعة حول العملات الافتراضية في الجزائر

❓هل التعامل بالعملات الافتراضية مسموح في الجزائر؟

لا، التعامل بالعملات الافتراضية مثل البيتكوين أو الإيثريوم أو USDT مجرَّم قانونيًا بموجب قانون المالية 2018. كل عمليات البيع أو الشراء أو الحيازة تُعتبر مخالفة للقانون.

❓ما سبب تجريم الكريبتو في الجزائر؟

السبب الرئيسي هو محاربة غسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، إضافة إلى سعي الجزائر للخروج من القائمة الرمادية (GAFI) من خلال تعزيز الشفافية المالية وإلزام المؤسسات بآليات تتبع الأموال.

❓هل يمكن تتبع من يستعمل العملات الافتراضية؟

رغم أن العملات الرقمية قائمة على إخفاء الهوية، إلا أن السلطات يمكنها تتبع التحويلات إذا ارتبطت بحسابات بنكية أو بريدية. كما أن عمليات التبادل المباشر (يدًا بيد) قد تُعرّض المستعمل لخطر التورط في قضايا قانونية.

❓هل توجد عقوبات على من يتعامل بالكريبتو؟

نعم، القانون يُجرّم التعامل بها، والعقوبات قد تشمل الغرامات المالية وحتى الملاحقة القضائية في حال ثبوت استعمالها لأغراض غير قانونية.

❓هل يمكن للدولة أن تغيّر موقفها مستقبلًا؟

احتمال ذلك وارد، خصوصًا إذا طورت الجزائر إطارًا تنظيميًا ورقابيًا يُتيح التعامل بالعملات الرقمية تحت إشراف الدولة، مثلما فعلت بعض الدول التي انتقلت من المنع إلى التقنين.

❓هل يُعتبر الاستثمار في الكريبتو آمنًا؟

حتى خارج الجزائر، الاستثمار في العملات الافتراضية محفوف بالمخاطر بسبب:

  • تقلب الأسعار بشكل كبير.
  • انتشار عمليات الاحتيال.
  • غياب الضمانات القانونية.

في الجزائر، الخطر مضاعف بسبب التجريم القانوني.

❓ما البديل القانوني للكريبتو في الجزائر؟

حاليًا البدائل المتاحة هي:

  • الحوالات البنكية والبريدية.
  • خدمات الدفع الإلكتروني المحلية عبر البطاقة الذهبية.
  • منصات الدفع الدولية المرخّصة (لكنها محدودة بسبب القيود).


ومع ذلك، يبقى من الضروري فتح نقاش وطني حول سُبل إيجاد حلول وسط تسمح بالاستفادة من مزايا التكنولوجيا الرقمية دون فتح الباب أمام المخاطر.
فالمنع الكلي قد يدفع الشباب إلى طرق ملتوية، بينما التنظيم والرقابة قد يكونان الحل الأمثل.

إلى أن تتضح الرؤية، يبقى الحذر واجبًا، والالتزام بالقانون أولى، حتى لا يجد المواطن نفسه متهمًا وهو في الحقيقة مجرد ضحية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم